حكم العلماء

مفهوم التوسط و التو

Rabu, 15 April 2009 | 08:56 WIB

( اعتبرت الوسطية من أبرز خصائص الإسلام، ويعبر عنها أيضا بـ (التوازن) أو (الاعتدال)، ونعني بها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين؛ بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه.

مثال الأطراف المتقابلة أو المتضادة: الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، الوحي والعقل، الماضوية والمستقبلية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية، الثبات والتغير، وما شابهها.

ومعنى التوازن ب&<>amp;#1610;نها أن يفسح لكل طرف منها مجاله، ويعطى حقه (بالقسط) أو (بالقسطاس المستقيم)، بلا وكس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار. كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ،وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن: 7-9) فالوسطية هي التي تقيم الوزن بالقسط؛ بلا طغيان ولا إخسار.
عجز الإنسان عن إنشاء نظام متوازن:

وهذا التوازن العادل في الحقيقة أكبر من أن يقدر عليه الإنسان؛ بعقله المحدود، وعلمه القاصر، فضلا عن تأثير ميوله، ونزعاته الشخصية، والأسرية والحزبية، والإقليمية والعنصرية، وغلبتها عليه من حيث يشعر أو لا يشعر.

ولهذا لا يخلو منهج أو نظام يضعه بشر – فرد أو جماعة – من الإفراط أو التفريط، كما يدل على ذلك استقراء الواقع وقراءة التاريخ.
إن القادر على إعطاء كل شيء في الوجود – ماديا كان أو معنويا – حقه بحساب وميزان هو الله؛ الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأحاط بكل شيء خبرا، وأحصى كل شيء عددا، ووسع كل شيء رحمة وعلما.

ولا عجب أن نرى هذا التوازن الدقيق في خلق الله، وفي أمر الله جميعا؛ فهو صاحب الخلق والأمر؛ فظاهرة التوازن تبدو فيما أمر الله به وشرعه مهن الهدى ودين الحق، أي في نظام الإسلام ومنهجه للحياة، كما تبدو في هذا الكون الذي أبدعته يد الله فأتقنت فيه كل شيء.

ظاهرة التوازن في الكون كله:
ننظر في هذا العالم من حولنا فنجد الليل والنهار، والظلام والنور، والحرارة والبرودة، والماء واليابس، والغازات المختلفة، كلها بقدر وميزان وحساب، لا يطغى شيء منها على مقابله، ولا يخرج عن حده المقدر له.
وكذلك الشمس والقمر والنجوم والمجموعات الكونية في فضاء الله الفسيح … إن كلا منها يسبح في مداره، ويدور في فلكه، دون أن يصدم غيره، أو يخرج عن دائرته. وصدق الله العظيم إذ يقول: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) (الملك: من الآية 3)، (لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يّـس:40)
والإسلام يريد من الأمة المسلمة أن تعكس ظاهرة التوازن الكونية في حياتها وفكرها وسلوكها؛ فتتميز بذلك عن سائر الأمم.
وإلى هذه الخصيصة البارزة يشير قوله تعالى مخاطبا أمة الإسلام: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(البقرة: من الآية143)
ووسطية الأمة الإسلامية إنما هي مستمدة من وسطية منهجه ونظامه؛ فهو منهج وسط لأمة وسط. منهج الاعتدال والتوازن الذي سلم من الإفراد والتفريط، أو من الغلو والتقصير.
من مزايا الوسطية وفوائدها:
ولقد كان من حكمة الله تعالى أن اختار الوسطية شعارا مميزا لهذه الأمة التي هي آخر الأمم، ولهذه الرسالة التي ختم بها الرسالات الإلهية، وبعث بها خاتم أنبيائه، رسولا للناس جميعا، ورحمة للعالمين.
الوسطية أليق بالرسالة الخالدة:
فقد يجوز في رسالة مرحلية محدودة الزمان والإطار أن تعالج التطرف في قضية ما بتطرف مضاد، فإذا كان هناك مبالغة في الدعوة إلى الواقعية قومت بمبالغة مقابلة في الدعوة إلى المثالية، وإذا كان هناك غلو في النزعة المادية … رد عليها بغلو معاكس في النزعة إلى الروحية، كما رأينا ذلك في الديانة المسيحية وموقفها من النزعة المادية الواقعية عند اليهود والرومان، فإذا أدت الدعوة المرحلية دورها الموقوت، وحدت من الغلو، ولو بلغو مثله… كان لابد من العودة إلى الحد الوسط، وغلى الصراط السوي؛ فتعتدل كفتا الميزان. وهذا ما جاءت به رسالة الإسلام بوصفها رسالة عالمية خالدة.
على أن في الوسطية معاني أخرى تميز منهج الإسلام وأمة الإسلام وتجعلها أهلا للسيادة والخلود.
أ- الوسطية تعنى العدل:
فمن معاني الوسطية التي وصفت بها هذه الأمة في الآية الكريمة ورتبت عليها شهادتها على البشرية كلها: العدل، الذي هو ضرورة لقبول شهادة الشاهد، فما لم يكن عدلا، فإن شهادته مرفوضة مردودة، أما الشاهد العدل والحكم العدل فهو المرضي بين الناس كافة.
وتفسير الوسط في الآية بالعدل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روي الإمام أحمد والبخاري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الوسط هنا بالعدل(1)، والعدل والتوسط والتوازن عبارات متقاربة المعنى؛ فالعدل في الحقيقة توسط بين الطرفين المتنازعين أو الأطراف المتنازعة دون ميل أو تحيز إلى أحدهما أو أحدها. وهو بعبارة أخرى : موازنة بين هذه الأطراف؛ حيث يعطي كل منها حقه دون بخس ولا جور عليه، ولا محاباة له، ومن ثم قال زهير في المدح:
همو وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي العظائم
يصفهم بالعدل والقسط وعدم التحيز.
وقال المفسرون في قوله تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) (القلم: 28)، أي: أعدلهم(2). يؤكد هذا الإمام الرازي في تفسيره بقوله: إن أعدل بقاع الشيء وسطه؛ لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء، وعلى اعتدال(2).
ويقول المفسر أو السعود: الوسط في الأصل اسم لما تستوي نسبة الجوانب إليه كمركز الدائرة، ثم استعير للخصال البشرية المحمودة، لكون تلك الخصال أوساطا للخصال الذميمة المكتنفة بها من طرق الإفراط والتفريط(1).
فالوسط يعني إذن العدل والاعتدال، وبعبارة أخرى: يعني التعادل والتوازن، بلا جنوح إلى الغلو ولا إلى التقصير.
ب- الوسطية تعني الاستقامة:
والوسطية تعني كذلك استقامة المنهج، والبعد عن الميل والانحراف. فالمنهج المستقيم وبتعبير القرآن: (الصراط المستقيم) هو – كما عبر أحد المفسرين – الطريق السوي الواقع وسط الطرق الجائرة عن القصد إلى الجوانب، فإذا فرضنا خطوطا كثيرة واصلة بين نقطتين متقابلتين؛ فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع في وسط تلك الخطوط المنحنية، ومن ضرورة كونه وسطا بين الطرق الجائرة أن تكون الأمة المهدية إليه وسطا بين الأمم السالكة إلى تلك الطرق الزائغة.(2)
ومن هنا علم الإسلام المسلم أن يسأل الله الهداية للصراط المستقيم كل يوم ما لا يقل عن سبع عشرة مرة ، هي عدد ركعات الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة. وذلك حين يقرأ فتاحة الكتاب في صلاته فيقول داعيا ربه: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة: 6، 7).
والإسلام وحده ينفرد بهذه الميزة (الوسطية) جون غيره من الملل. جاء في التفسير المأثور : التمثيل للمغضوب عليهم باليهود، وللضالين بالنصاري)(3).
والمعنى في ذلك : أن كلا من اليهود والنصارى يمثلون الإفراط والتفريط في كثير من القضايا: فاليهود قتلوا الأنبياء، والنصارى ألهوهم... اليهود أسرفوا في التحريم، والنصارى أسرفوا في التحليل، حتى قالوا : كل شيء طيب للطيبين... اليهود غلوا في الجانب المادي، والنصارى قصروا فيه... اليهود تطرفوا في اعتبار الرسوم في الشعائر والتعبدات، والنصارى تطرفوا في إلغائها.
والإسلام يعلم المسلم أن يحذر من تطرف كلا الفريقين، وأن يلتزم المنهج الوسط، أو الصراط المستقيم، الذي سار عليه كل من رضي الله عنهم وأنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
جـ- الوسطية دليل الخيرية:
والوسطية كذلك دليل الخيرية، ومظهر الفضل والتميز، في الماديات والمعنويات؛ ففي الأمور المادية نرى أفضل حبات العقد واسطته، ونرى رئيس القوم في الوسط والأتباع من حوله... وفي الأمور المعنوية نجد التوسط دائما خيرا من التطرف.
ولهذا قال العرب في حكمهم: (خير الأمور الوسط)، وقال أرسطو: (الفضيلة وسط بين رذيلتين). ومن هنا قال ابن كثير في قوله تعالى: (أُمَّةً وَسَطاً)(البقرة: من الآية143). الوسط ههنا: الخيار والأجود. كما يقال: قريش أوسط العرب نسبا ودارا: أي خيرها، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسطا في قومه؛ أي: أشرفهم نسبا. ومنه : الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات.(1)
د- الوسطية تمثل الأمان:
كما أن الوسطية تمثل منطقة الأمان والبعد عن الخطر؛ فالأطراف عادة تتعرض للخط